الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الخميس، 28 يوليو 2011

تكست -العدد 14 -مشاكسة الرؤى في " معاً تقلدُ الوردة مداها "كتب *خضر حسن خلف

مشاكسة الرؤى

في

" معاً تقلدُ الوردة مداها "

*خضر حسن خلف

ما زالَ الشعرُ ، في اطارِ ولع المهتمين به يتحملُ الكثير من الشد والجذب ، والتطرف والرغبة في تجاوز السياق الآني الى حيث الاسلوب الذي يكوّنُ ذائقةً جمالية خاصة ويسهمُ في اختزال الرؤية تحت شفافية الغموض ويضيفُ بهذا التشكيل شرعنةَ نُظم جديدةٍ الى الاختبارات الفنية المستمرة على موجات النص . فنجدُ هذا التشكيل الفني مختلفاً في تعميق الرؤيوي في البعد الشعري ، وتألقاً في تفجير السياق اللغوي في فضاء التراكيب الصورية . حيثُ الوحداتُ أو الجمل تبدو وكأنها خرق ، مع تجاورٍ مستحدثٍ بين الكلمات المتحفزة للقفز عن معانيها القاموسية . وكأنّ المشهد في القصيدة : " رقعةٌ يرمى فوقها نرد " حسب ماكس جاكوب. ولم تكن القصائد المكتوبة من قبل الشعراء الجدد حلميةً بحتة كمجازفةٍ لعبوية شعرية لا غاية لها ، وانّما الوعي فيها يلعبُ دوراً أساسياً في الاحاطة والتراكيب . وينبري كمقتصٍ لتلك اللحظات الشعرية من أجل كشف حقيقةٍ ما . ويمكن الاستدلال عليها من قبل حسية المتلقي الشعرية. وقصائد المجموعة الشعرية " معاً نقلدُ الوردة مداها " تتمحورُ في كلّ ذلك على النحو الذي تسعى فيه الى الاستحواذ على التكثيف المتجوهر في منطقة القيمي والجمالي.

ومن ذاك تكتسبُ أهميتها في المغامرة خلال الخلق الفني لعالم فريدٍ من العلاقات اللغوية والدلالات التي تشي بالغرابة. والشاعرُ منذُ البدء يعلنُ انتماءه الى الاداة التعبيرية المبتكرة ، ويعكسُ عمقه المتممثل في السياق البنائي للعنوان . فهو مفتتحٌ يلجُ بنا في فضاء خيالٍ يتماهى على الكثير من الاحتمالات اذ يؤسّسُ لنمط ذي حساسيةٍ تصدم الذائقة المتوارثة ويكشف عن حالةٍ ، لا محدودية للغة فيها . فهو يواشجُ بين ( الجمع) الذي ترمي اليه ( معاً) كمخاطب يتوسل به وظيفياً مع ما يدلّ عليه ( المفرد) في رمزية " الوردة " و " مداها" ، الفضاء المشاغل لتجربة الذات الشاعرة . وانّ لعتبة العنوان ضوءاً يكشفُ عمّا تلوحُ به بعض قصائد المتن وليس للقصيدة المسماة به وحدها. وهذا يعني انّ سياقاً رؤيوياً يشتغلُ عليه الشاعرُ ويؤسسُ لمعادلةٍ في النظر الى فرض حيوية اللغة ومدياتها في اسلوب خاص ومتماسك في الكتاب. فيركب من أبعاد ( العام) صوراً ( للخاص) على نحو تتمظهر خلال الوحدات متقاطعةً ، وتضئ الحقيقي المستتر :

" كانَ يعيدُ

ترتيب النهر ليضمن سلامة مجراه

بينما الساقية حجرٌ بلّلها" ص 17

أو :-

" كنت أشرب من كلامك

مشاكساً العطش فيه " ص 29

أو :-

" سرْ مع نحولها ،

انّهُ البديلُ لتلك العيون " ص 70.

ان اللغة الشعرية المشتغلة على سياقِ تجربة الشاعر ليست مجردَ وسيلة تتماهى بالفكرة على نحو فطري ، وهيَ في الوقت نفسه ليست غايةً تظهرُ تعاليها على الانفعالي بل هي اسلوبٌ يتجلى في ارادة الكشف من الدواخل بالوسائل الخاصة. ويعني هذا انه – أي الشاعر – استوعب التعريف المعروف : " انّ الشعر كشفٌ ومعرفة ". فالكشف : طرق المثير من الحياة والكون ، مستفزاً في الاخر التساؤل ، ومحاولة التغيير عن طريق الاثارة . فالشعرُ " يكشفُ ولا يحيط " و " يوحي ولا يعلم " . أما المعرفة : تطلعٌ ، وتجاوزُ لواقع الامكانات المتاحة. وحسب مفهوم تشومسكي الذي يراها في النظام اللغوي : " تنطوي على امكانات وجوده تعابير لم يسبق لها ان خرجت الى حيز الوجود ولم ينطقها أحدٌ أبداً . وستبقى هذهِ الامكانية قائمة مهما حاول الباحثون أنْ يستقرئوها".

ونتلمسُ هذه القدرة التي لها الاثر على السلوك خلال تمثله تلك المفاهيم في القصائد :

" الشعراء عند الكتابة أدوات

الرجالُ أدوات :

رجالٌ كالمنفعة

رجالٌ كالشبهة قوامون على التعب

ينامون فيغفو

معهم مزيدٌ من السمع والبصر

رجالٌ كالحصرم ضاعوا من أجلِ

العنب

رجالٌ في سرور الضوء صاروا

لهبةً في شموع

استريني أيتها الغصة

من وردة تندلعُ سخاماً ص 94.

انّ تلك المنطقة الخاصة التي يحاولُ ان يتلمس قدرته فيها تظلّ تؤطر شعرية خطابه بما هو ضاغطٌ من الاشارات والدلالات لرؤاه المستترة ، فيعملٌ على تخصيبها بقدرٍ كبير من التحرر ، ويشتغلُ عملياً على نسقي الشعرية ، الجمالي والثقافي. اذ انّ هذين النسقين يتبلوران من خلال التقنيات الشعرية الفاصلة بين الشعر واللاشعر ، حتى لا يبقى الشعرُ في دائرة اللعب بالادوات :

نعرفُُ

انّ القفل محكمٌ

لكننا نتنزهُ خارجه

نعرفُ

أنّ الهروبَ لا يلامسنا ،

نقارنُ تدهورنا باصرار

المفاتيحُ

لديها أسرار اكثر مما للغرف

من جاذبية

لتكن سعيدة هذه اليقظة

ترى في تبتلها أضعاث هدايا" ص 55.

لا شكّ في أن ما توحي به قصائد المجموعة من دوال عائمة في المشهد الشعري الذي يكتبه الشاعر علي البزاز يحفز المتلقي نحو قراءة ثانية متأملة ليقترح لملمة لشتات الرؤى المشاكسة في تراكيبه الغريبة في بوتقة الاستيعاب للمشهد ، اذ انّه " يخلق ، بمجازاته الفريدة ، عالماً من العلاقات والدلالات ، لا تعود معه الاشياء كما نعرفها ، ولا اللغة كما نكتبُ بها" كما يقول على حرب على غلاف المجموعة .

*شاعر عراقي

الـعـــــودة للصفحــــة الرئيســـــة – العـــدد 14

العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق