الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الأربعاء، 27 يوليو 2011

تكست -العدد 14 - كريستينا لافانت :سيرة ذاتية -كتب قاسم طلاع

*قاسم طلاع

سيرة ذاتية

كريستينا لافانت

Christine Lavant

" غدا سأطفئ الشمس،

غدا سأرمي الرياح في حفرة

وأصب المطر في البحر،

ثم أطلب منك أن تأتي إلي. „

كتبت الرواية والشعر. ولدت في اليوم الرابع من شهر تموز عام 1915، وهي المولود التاسع لعائلة كان معيلها عامل منجم في منطقة " Groß-Fdling „ عند ناحية سانكت شتيفان في لافانتال التابعة لمقاطعة كيرتن، وهي واحدة من مقاطعات دولة جمهورية النمسا الاتحادية، وترعرعت في وسط هذه العائلة الكبيرة، حيث كان الفقر يخيم عليها.

في طفولة مبكرة أصيبت لافانت بنوع من مرض السل " Skrofulose „، حيث أثر على قوة سمعها وبصرها وعلى بشرة وجهها، التي ظهر عليها الندب، الذي أخذ حيزا كبيرا من جسمها وقضت الكثير من أيامها في زمن الطفولة في المستشفيات ليس من أجل علاج ما تعاني منه، وإنما، أيضا، الحفاظ على حياتها، التي أكد أكثر من تقرير طبي، بأنها مهددة بفقدانها. وكانت روايتها " طفل " ورواية " زجاجة الأزهار الكروية " تصوير حي مما كانت تعانيه من ألآم جسمية ونفسية نتيجة حرمانها ,عدم تمكنها من مخالطة الآخرين ومشاركتهم اللعب، هذا الحرمان الذي دفعها أن تخلق لها عالمها الخاص، عالم خيالي، تمكن من السيطرة على كل تفكيرها، هذا العالم ، الذي كانت تخاف منه لأنه كان يبعدها، دائما، عن الواقع الذي يحيطها " في المدرسة لأنها كانت أصغر وأضعف طفل بين التلاميذ. في الكنيسة لأنها لا تملك رداء ترتديه يناسب وأيام الاحتفالات الدينية التي كانت تقام في القرية، وفي البيت لا تملك حصانا، ولا بقر، حتى ولو دجاجة، مثل بقية فلاحي القرية وأطفالهم. فكل ما كان هو كان على الأم البحث عن من تستطيع منه استجداء الحطب للتدفئة، لأن الأب ما كان يجلب من نقود لا تكفي حتى لشراء الخبز. وفي الصباح كان الفلاحون يطرقون الباب عليها يطالبونها بثمن الحليب الذي لم تتمكن من دفع ثمنه:

اسمع

هذا صحن شحاذ،

نصف منه لا زال من الطين،

والنصف الآخر صار حجرا،

يعزف، يطبل، على المائدة

ألحان الجوع بين الخبز والنبيذ.“

( من ديوان صحن الشحاذ)

ولم تتمكن جراء هذا المرض من مواصلة التعليم سوى ما يقارب الثماني سنوات ( 1921ـ 1929 ) وبسبب الظروف المعيشية التي كانت تعاني اضطرت إلى العمل، كخياطة ( ممارسة مهنة التطريز )، من أجل لقمة عيشها، وبقيت في عملها هذا إلى أن حالفها الحظ عندما صدرت روايتها الأولى " الطفل " عام 1948، هذه الرواية التي سجلت فيها جزء من تجربة حياتها، وخصوصا طفولتها، التي كادت فيها أن تفقد بصرها إلى جانب حياة الفقر التي كانت تعاني منها. والجدير بالإشارة هنا أن لافانت، وقبل أن تصدر روايتها هذه، كانت قد كتبت نصا أدبيا على شكل مذكرات يومية دونتها أثناء إقامتها في مستشفى الأمراض العصبية، التي دخلت فيها عام 1945، وبمحض إرادتها، والإقامة فيها ستة أسابيع نتيجة أزمة نفسية كانت تعاني منها، هذه الأزمة التي دفعتها أكثر من مرة إلى الانتحار، إلا أن تمسكها بالحياة، رغم الوحدة التي كانت تعيشها إلى جانب آلامها الجسدية ، حال دون الإقدام على مثل هذه الخطوة.[1]

قرأت كريستا لافانت كتب الدين والتصوف والفلسفة وتركت هذه الكتب آثار بصماتها، بشكل واضح، على كل ما كتبت، وكان ريلكه الشاعر الوحيد الذي تأثرت به وسارت على خطاه، وقد ظهر هذا التأثير واضح في ديوانها الأول " حب غير متكامل " الذي صدر عام 1949. لكن ديوانها الثاني " صحن الشحاذ "، الذي صدر عام 1956 قد عكس بشكل واضح ملامحها الشخصية، بعيدة عن أي مؤثر خارجي، سوى تلك المؤثرات التي عثرت عليها في ما كانت تقرأ من كتب أكثر مواضيعها محصورة بين الدين والتصوف، والذي شكل تلك الصورة الرومانسية، التي تميزت ببعض السمات الواقعية وأحيانا السريالية مصحوبة بالرؤى الروحية، لذلك نرى إن المواضيع التي تناولتها في كتابتها للشعر وحتى الروائية، عكست طفولة فقيرة، المعانات من مرض كان رفيق حياتها، الشعور بالوحدة، ومن ثم الحنين إلى الحب والبحث عن المحبوب وبأسلوب لغوي تميز " بالمجازية الصوفية " وبالاستعارات ( Metapher ).

1

بصوت خافت أريد، في المساء،

أن أذكر اسمك

دون حركة من شفتيّ،

التي لازالت أسمائك الكبيرة، تحملها

غريبة عنها

وأعوم في مياهك المقدسة

أملا في الشفاء.“

2

نومي ذهب للماء.

معطفه وحذاؤه

رماها الليل لي عبر النافذة،

مربوطة على حجرة.

الآن فرض السير في المنام علي،

وقوفا وجلوسا في غرفتي

وأنا أرى عينيّ تمتلئ

بصورة هذا الماء.

نومي سار قبلي.

فرض علي أن أخلع عني معطفه الثقيل

وحذاءه الملتهب،

ثم علي أن أمضغ حجر أحلامه الخيرة،

بعدها يسمح لي أن أتبعه،

وأن أسير خلفه.“

منحت كريستينا لافانت الكثير من الجوائز الأدبية أهمها جائزة جورج تراكل للشعر عام 1954 وعام 1964إلى جانب جائزة الدولة النمساوية للشعر عام 1956 وعام 1961.

ماتت كرستينا لافانت في اليوم السابع من شهر حزيران عام على 1975 بسبب تعرضها للسكتة القلبية. وبعد ثلاثة سنوات من موتها صدرت لها مجموعة من القصائد ضمت ما يقارب 25 قصيدة كانت قد كتبتها أثناء العلاج النفسي الذي خضعت له، مهداة إلى طبيبها الذي كان يعالج أسباب واثر الأزمات النفسية، التي كانت ترافقها من حين إلى آخر.

آه دعني أمت ببساطة،

هكذا ببساطة مثلما كنت وحيدة

في هذا الجسم الذابل.

لم ارتكب بعد الآن إثما!

ارتكبت كل الآثام حتى آخرها،

ألا يكفي هذا، حينما تكون، أنت، المذنب

عن موت روحي. „

أين حصتي، يا إلهي، من هذا الضوء؟

أريد الرجوع إلى البيت

ضاعت مني عصاي

في تلك اللحظة التي بدأ فيها

وجه القمر يشرع بالغروب

وقمم الجبال تزداد ارتفاعا.“

في الكأس تتفتح أزهار البالدريان[2]

نجمة تنظر إلي عبر النافذة،

رياح تثني الشجرة نحو الشمال.

والبرد صار شديدا قارصا

في هذا العالم، وفي قلبي،

الذي يهيئ نفسه، أيضا، للعودة للبؤس القديم.

آه أيتها النجوم لو تعرفين،

كم أنت غريبة في عيني،

منذ موت الأشياء في داخلي وتحجري

ومنذ إقامتي هنا نهارا وليلا .[3]

حتى الآن تغير وجه الأشياء التي أحبها

بشكل محزن،

وأصبح كل حنين عبأَ،

أكاد لم أتحمله.

أهذا آخر عناء،

آه أيها الإله، ـ أو ستبعث لي أكثر

كأنه كسلاح معركة للعودة إلى وحدتي والخلوة مع نفسي..؟

مثل سرعة النجوم، حينما تهيم بين الغيوم!

في الكأس تذبل أزهار البالدريان،

أيها الرب، سأقدم أي تضحية

تريدها إليك.

تركت لافانت وراءها المؤلفات التالية:

رواية " الطفل " صدرت عام 1948.

ديوان شعر " حينما يخاطب الليل النهار " صدر عام 1948.

رواية " الإبريق " صدرت عام 1949.

ديوان شعر " حب غير متكامل " صدر عام 1961.

ديوان شعر " مغزل في القمر "

ديوان شعر " طائر الشمس " صدر عام 1960.

ديوان شعر " صراخ الطاووس " صدر عام 1962.



. دخلت كريستينا لافانت أكثر من مرة مستشفى الأمراض العصبية وحاولت الانتحار أكثر من مرة.[1]

. وهي نوع من الأعشاب الطبية تستعمل في تهدئة الأعصاب.[2]

. المقصود هنا مستشفى الأمراض العصبية حيث كانت ترقد هناك. *كاتب ومترجم عراقي . النمسا[3]

الـعـــــودة للصفحــــة الرئيســـــة – العـــدد 14

العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق