الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الخميس، 28 يوليو 2011

تكست -العدد 14 - العسران نص غونتر جراس ترجمة ماجد الخطيب


العسران

غونتر جراس

ترجمة :* ماجد الخطيب

مقدمة

لاشك ان كاتباً "يساريا" معروفاً مثل غونتر جراس عاش تجربة العسران وهوصغير: تتلقى العائلة زيارة من أصدقائها، و يقع على غونتر الصغير أن يصافح الضيوف، فيمد يده اليسرى اوتوماتيكيا للمصافحة. تنهره الأم "ليست هذه الكف البليدة، وإنما الاخرى القوية ، الشاطرة".

قبل أن أتصل بمكتبه للسؤال عن "يساريته"، كنت قد شاهدت غراس في عشرات الصور وهو يحمل غليونه بيده اليسرى، يحيي باليسرى، يرسم باليسرى، ولكنه يصافح باليمنى. فالرجل، إذن ، لم يختر"اليسارية "عنواناً لقصته دون اعتبار.

وقصة العسران خليط من السياسة والمشاكل الاجتماعية والمفارقات صيغت باسلوب شيق ، سلس ومعقد عرف به غنتر جراس . فهو يلعب بالكلمات، يخلط الأوراق السياسية بأوراق الشذوذ الجنسي والمشاكل النفسية للعسران، ويعرف كيف يحاصر المترجم في الزاوية بالمفردات المتعددة المعاني. والقصة غارقة بالتعابير المزدوجة المعاني التي يستخدم فيها الألمان كلمات اليد والقبضة والساعد للتعبير عن مختلف مشاعرهم. ولحسن الحظ فان اللغة العربية غنية أيضاً بهذه الاستخدامات، وإلا لكانت الترجمة متعذرة .

يضع جراس "يده" على الجرح وهو يستعرض مشاكل " الطفولةاليسارية" ومعاناة العسران من مشاكلهم في فترة نضجه الجنسي والادبي في الخمسينيات ( كتبت القصة في الفترة بين 1054-1974). يسخر الكاتب من تسمية "اليسار" في البرلمان الالماني ومن شعار "القلب يخفق يسارا" الذي يرفعه حزبه الاشتراكي الديمقراطي. وفي "قبضة" شعور النقص الذي يعاني منه العسران يداوي الكاتب اليمين باليسار، يمد "يد" العون لزملائه ، يدعو العسران لبناء مستقبلهم "بسواعد" قوية ، يندد بسياسة القبضة الحديدية "اليمينية" ضد العسران، وينهيهم عن الفرقة والفساد بنداء "يا عسران العالم اتقوا الله".

ان قصة العسران بتقديري، رغم قدمها، هي من أفضل أعمال جراس، واضعين بعين الاعتبار ان الكاتب نال جائزة نوبل، أساساً، لقاء "باعه" الطويل في كتابة روايته الخمسينية " الطبل الصفيح".




والقصة تعبر أفضل تعبيرعن روح النحات والرسام الساخر التي نشأ عليها جراس في شبابه،والتي طغت عليها روح الكاتب المتمرد في مرحلة النضج.

ولايسعني هنا سوى ان أهدي هذه القصة إلى كل أصدقائي "اليساريين" من اورسولا لوفينيش إلى أريج الجبوري وفالح عبد الجبار.

العسران

ايريش يراقبني، وأنا بدوري، لا أحيد نظري عنه. يحمل كل منا سلاحاً بيده، ومصممان على استخدامهما لإصابة بعضنا. سلاحانا محشوان. يستسلم المعدن البارد لدبيب دفء بطيء بحكم المران الطويل والعناية الفائقة بالمسدسين بعد الانتهاء مباشرة من التدريب، فيتلبس بمضي الوقت مظهرالبراءة. ألا يفي بالغرض أن يحمل المرء محفظة، قلم حبر، مفتاحاً ثقيلاً أو ربما قفازاً جلدياً أسود باصبعين منفرجين كي يغتصب صرخة رعب من عمة خوافة؟

لا يساورني أدنى شك في احتمال أن يكون سلاح ايريش عاطلاً أو بريئاً أو مجرد لعبة ، وأعرف تماماً ان ايريش لايخالجه الشك لحظة واحدة بخطورة سلاحي. فككنا المسدسين لهذا الغرض قبل حوالي نصف ساعة، نظفناهما، ركبناهما من جديد، حشوناهما ورفعنا صمامي الأمان عنهما. لسنا حالمين، وحددنا بعناية منتجع ايريش الصيفي الصغير مكاناً لتنفيذ فعلتنا المحتومة. إذ يوفر لنا المبنى المؤلف من طابق واحد، والواقع على مبعد ساعة عن أقرب محطة لخطوط الترام، أفضل ضمانة للبقاء بمنأى عن أية اذن - بكل ما في الكلمة من معنى- فضولية. فرّغنا غرفة الجلوس من الأثاث وأزلنا اللوحات، التي تشكل مشاهد الصيد والطبيعة الصامتة غالبيتها، عن الجدران. إذ لا يصح أن تصبح الكراسي والكوميديات الصقيلة اللامعة و الصور المزدانة بالاطارات هدفاً للاطلاقات. ولم نرغب بالطبع أن نصيب المرآة أو أن نضر بالخزفيات لأننا نحن المقصودان بالرصاص في نهاية المطاف.

كلانا أعسر ونعرف بعضنا من خلال الاتحاد. فعسران هذه المدينة، كما تعرفون،

وكما هي الحال مع المبتلين بالعاهات المماثلة، قد أسسوا اتحاداً لهم. نلتقي بانتظام

ونحاول، بأسف، تمرين قبضاتنا الخرقاء الأخرى. تطوع أيمن لإلقاء المحاضرات علينا

لفترة طويلة، لكن السادة في قيادة الاتحاد انتقدوا طريقة تعليمه وتوصلوا إلى نتيجة

مفادها ان على أعضاء الاتحاد التعلم اعتماداً على قواهم الذاتية. وهكذا شاركنا

مجتمعين، ودون أدنى كلفة، فى ابتكار ألعاب سمر جماعية خاصة بنا مع كل ما

تتطلبه من اختبارات مهارة مثل : لضم الخيط بالابرة، صب الماء، والتزرير والحل

باستخدام اليد اليمنى .أي كل ما يحقق ما هو منصوص عليه في نظامنا الداخلي : ولن يقر

لنا قرار حتى نساوي اليمين باليسار.

ليست هذه الجملة أكثر من لغو فارغ رغم كل ما قد تنطوى عليه من قوة، لأننا لن

نفلح في ذلك أبداً. ويطالب الجناح المتشدد فى اتحادنا منذ زمن بعيد بحذف هذه المقولة

واستبدالها بجملة : نريد أن نفخر بأيادينا العسراء وان لا نخجل مما فطرت عليه

قبضاتنا من عاهات ولادية. ليس هذا، برأينا، هو الشعار الصائب، لكن عاطفيته

والمشاعر الزكية التى تشوبه بالذات دفعتنا للانحياز إليه. ونعرف جيداً، ايريش وأنا،

المحسوبان على الجناح المتطرف، مدى تجذر العار فينا. إذ لم يفلح بيت الاسرة

و لا المدرسة، بل ولا الفترة اللاحقة في العسكرية في تعليمنا " الاستعداد" (1) للتعامل

بدماثة لتلافي هذا "النُقيص" التافه مقارنة بالتشوهات الأخرى الشائعة. تعود المشكلة

إلى فترة مد "اليد الطفولية الصغيرة للمصافحة. كل هذا العدد من الخالات والأخوال

والعمات والأعمام، والصديقات من جهة الأم ، وكل هذا العدد من الزملاء من جهة الأب،

الذين يشكلون، مجتمعين، أفق الطفولة القاتمة فى صورة العائلة المفزعة، والذين

لامفر من مد اليد لمصافحتهم : "كلا ليست هذه الكف الشقية، وانما الاخرى الشجاعة. ألا

يسعك أن تمد الكف الصحيحة، الجيدة ، الشاطرة، الماهرة، الحقيقية الوحيدة، اليد

اليمنى"!.

لمست الفتاة الاولى يوم كنت ابن ستة عشر ربيعاً : " آه ، أنت أعسر"، قالتها خائبة، ثم سحبت يدي من تحت قميصها. مثل هذه "الذكريات لا تمحى" ، وحينما حاولنا تثبيت هذه الحكمة - صغناها اريش وأنا - فى نظامنا الداخلي لم نطمح من ذلك، بالتأكيد، سوى إلى صياغة مثاليات عصية على التحقيق.

حسنا، ها ان ايريش قد زم شفتيه وضيق عينيه، فأفعل أنا كما يفعل. وجنتانا ترتعشان، جبهتانا تتقلصان وجسرا أنفينا يضيقان. يشبه ايريش الآن ممثلاً استرجع تقاسيم وجهه من مشاهد مغامراتية متعددة .أيجوز لى أنا ايضاً أن استعير هذا التماثل القاتل مع أحد أوغاد شاشة السينما؟ يحلو لنا أن نبدو قساة ويسرني عدم وجود من يراقبنا. ألن يخطر حينها لشاهد متطفل ان شابين من طينة رومانسية مرهفة يتبارزان ؟ ربما يختلفان حول لصة حسناء من أفراد العصابة، أو ربما شنّع أحدهما بالآخر حاطاً من قدره. نزاع عائلي متأصل في الأجيال، قضية شرف، أو ربما أخل أحدهما بعهد صداقة في السراء والضراء. إذ لا يتراشق بهذه النظرات غير الأعداء. أنظر فقط إلى هذه الشفاه المزمومة الممتقعة وقصبتي الأنف اللدودتين. أنظر كيف يلوك هذان المفطوران على القتل حقدهما.

نحن صديقان، جمعتنا ما يكفي من الاهتمامات المشتركة الكفيلة بإضفاء صفة

الديمومة على صداقة ما، وان اختلفت مهنتانا. إذ يدير ايريش قسماً في أحد المتاجر، في

حين اتخذت أنا لي مهنة ميكانيكي أجهزة دقيقة عالية الأجر. يعود تاريخ إنتماء ايريش

إلى تاريخ يسبق تاريخ انتمائي إلى الاتحاد. ولا زلت أذكر جيداً يوم دخلت المقهى الخاص بالـ" الأحاديين "(2) خجلاً بملابسي الاحتفالية حينما واجهني ايريش ونبهني إلى عدم أمانة مشجب الملابس. تفحصني بذكاء لا يخالطه فضول ثقيل ثم قال: أنت تود الانضمام إلينا دون شك، لاتشعر بالخجل أبداً، نحن هنا كى نعين بعضنا.

تطرقت إلى عبارة "الاحاديين " كي أوضح بأننا نخاطب بعضنا هكذا رسمياً. لكن هذه التسمية بدت لي، اسوة بجزء كبير من نظامنا الداخلى، غير موفقة فالتسمية لا تعبر بما يكفي من الوضوح عما يربطنا ببعضنا ويشد أزرنا، ولكانت تسمية مثل العسران أو أخرى طنانة مثل "اخوة اليسار"(3) أكبر وقعاً بلا ريب. لكنكم ستحدسون سبب تخلينا عن اطلاق مثل هذه التسميات على أنفسنا، إذ ليس أقسى وأكثر مهانة علينا، من مقارنتنا بالبعض، وللأسف الشديد، من ظنت عليهم الطبيعة بالامكانية الوحيدة الخليقة بالانسان، ألا وهى فعل الحب. فنحن على النقيض من ذلك جماعة ملونة كالمكعبات، واتجرأ على القول، ان سيداتنا على قدر من جمال وجاذبية ودماثة بعض اليمينيات. ولو قدر للانسان مقارنة ذلك بدقة لاتضحت معالم لوحة اجتماعية تدعو واعظاً حريصاً على سلامة أرواح رعاياه للدعوة من على منصته:

ياعسران العالم ، اتقوا الله !

وبسبب اسم الجمعية المهلك هذا اضطر رئيسنا الأول، المغرق بنمط تفكيره

البطرياركي، والموظف الخانع، للأسف، فى ادارة المدينة - دائرة السكك، لأن ينفي بين

اون واخر الأقاويل، وان يؤكد خطل هذه التسمية ووقوعها صفراً على الشمال ، لأننا لا

نفكر كمثليين ولا نشعر ولا نتعامل كمثليين.

والحقيقة ان تسميتنا تشى، سواء أردنا ذلك أم لا ، بأفكار سياسية منذ أن رفضنا التسميات

المقترحة الجيدة وارتضينا لأنفسنا تسمية ما كان يفترض ان نتبناها أبداً. إذ جرت العادة،

منذ أن صار أعضاء البرلمان يميلون إلى الجلوس على المقاعد بدءاً من الوسط باتجاه أحد الجانبين، ومنذ أن تم تنظيم المجلس بشكل صار فيه ترتيب المقاعد وحده يقرر الاتجاه السياسي في بلدنا، على الافتراء بتهمة التطرف الخطر ضد كل كلمة خطابية تطفو فيها كلمة اليسار أكثر من مرة إلى السطح. وبوسع المرء الاطمئنان هنا، أنه إذا كان هناك اتحاد واحد بلا طموحات سياسية قد انبثق في مدينتنا، وكرس نفسه للتسلية المتبادلة لأعضائه فقط، فهو اتحادنا. وجدير بالذكر اني، وبهدف قطع دابر شبهة الشذوذ الجنسي الآن وإلى الأبد، انتقيت خطيبتي من بين فتيات تنظيم الشباب في اتحادنا. ونود الزواج حال توفر شقة فاضية. وإذا ما اختفى، في يوم ما، الشبح الذي ألقى ظلاله على وجداني في كل لقاء أول لي مع الجنس الآخر، فان الفضل في ذلك يعود إلى مونيكا.

لم يكن على حبنا أن ينتصر على المصاعب المعروفة التي تغص بها الكثير من

الكتب فحسب، وانما ان يبريء جراح بؤسنا اليدوي، وأن يتجلى فيها نهائياً، تمهيداً

لولادة سعادتنا الصغيرة. وبعد أن حاولنا في البداية، ونحن في قبضة هلعنا وبلبلتنا

، أن نمد يد اليمن والبركة لبعضنا وأن نشخص بلادة مياسرنا، تلمسنا أخيراً حكمة

القدر وارتضينا إرادة الخالق. لا أفرط بكثير من الأسرار، راجيا الترفع عن المبالغة فى

التكتم، حينما أشير إلى ان يد مونيكا الممدودة بالحب إلى دائما هي من زودني بالقوة

على الاصرار والصمود. وكان عليّ بعد زيارتنا الأولى للسينما أن اؤكد لها حفاظي على

عذريتها حتى لحظة وضعنا الحلقتين فى بنصرينا - مذعناً للامر الواقع وما تمليه علينا

الأعراف مع الأسف - الأيمنين. يوضع نيشان الزواج الذهبي في بلدان اوربا

الجنوبية الكاثوليكية في الأصبع الأيسر حيث يتحكم القلب عادة في المناطق المشمسة

بارادة الوعى الصارمة. وربما لأسباب تتعلق بالثورة على طريقة البنات، أو ربما

لاثبات قابلية النساء الظاهرة على الجدل حينما تتعرض أهميتهن للمساءلة. انهمكت

شابات اتحادنا طوال الليل، وبجهد شاق، في تطريز كلمات "يسارا يخفق القلب" على راياتنا الخضراء(4).

تناقشنا انا ومونيكا كثيراً حول لحظة تبادل الدبل، وتوصلنا كل مرة إلى ذات

النتيجة : لا يمكننا تقبل معاملة عالم جاهل لا يخلو من خبث، لنا كخطيبين، بعد أن

قضينا ردحاً من الزمن كشريكين وفيين تقاسما صغائر الامور وكبائرها. وما أكثر ما

بكت مونيكا جراء قصة الدبل السالفة الذكر. فيوم سعادتنا البهيج المنتظر ما كان

يخلو من غلالة من الحزن تلقى ظلالها على حفلة العرس وعلى الهدايا والمناضد العامرة.

كشف ايريش من جديد عن وجهه الطبيعي الطيب. تراخيت أنا بدوري فشعرت

بتوتر طويل في عضلات الفكين وعضلات الصدغ التي لم تكف عن الارتعاش. كلا، من

المحقق ان ارتجاف عضلات الوجه لا يليق بنا. نظراتنا تلتقي الآن بشكل أهدأ وبالتالي

أجرأ. كلانا يستهدف يداً معينة في جسد الآخر. ثقتي بعدم الفشل تضاهي الثقة التي أضعها في ايريش. تمرنّا ما يكفي من الوقت، وأمضينا كل دقيقة من وقت فراغنا نتدرب في نفق حرب مهجور في ضواحي المدينة، كي لا نفشل فى هذا اليوم الذي سيحسم الكثير من الأمور.

ستزعقون "هذه سادية مطلقة، لا بل هذا تشويه للذات". صدقونى، تجاوزنا كل

هذه المبررات تماماً. لا وجود لجريمة لم نتهم أنفسنا بها، و لا نقف في هذه الغرفة الجرداء للمرة الأولى. واجهنا بعضنا مسلحين أربع مرات، و أربع مرات أخفضنا سلاحينا

مرعوبين بما نحن مقدمين عليه. لكننا لم نكن يوما بمثل الوضوح الذى نحن عليه هذه المرة.

منحتنا الأحداث الأخيرة، الشخصية منها وتلك المتعلقة بالحياة الداخلية للاتحاد أيضاً

، الحق بأن نفعل ما نفعله، وأن نلجأ نهائياً -أبلغنا الاتحاد بعد تردد طويل برغبة الجناح

المتطرف – اللجوء إلى السلاح. المؤسف هو انه ما عاد بوسعنا المواصلة مع الآخرين لأن ضميرنا حكمنا بالابتعاد عن التشكيلات التنظيمية للاتحاد. ويعود السبب إلى تفشي جناح انقسامي في التنظيم استطاع فرض أعضائه المتحمسين، بل والمتعصبين، على صفوف أرجح الرفاق عقلاً. سبّح بعضهم بحمد اليسار وأقسم البعض الآخر اليمين. ولم تصدق عيناي كيف كانت الهتافات تتقافز من منضدة إلى اخرى، وكيف روعيت، حد التقديس، تقاليد الضرب المقيتة باليسار على الطاولات، هذه التقاليد التي حولت بعض اجتماعات القيادة إلى مجون مطلق تقرع فيها القبضات بنشوة عارمة. ورغم ان أحدا لم يجهر بذلك حتى الآن، وضربت القيادة دائماً بقبضة من حديد على مظاهر الانحطاط والرذيلة البادية للعيان بين الأعضاء، فان الواقع لا يمكن نكرانه : انحرف البعض، ووجدت مظاهر حب استغلقت على فهمى طريقها بين أنصارنا من الجنس الواحد. اسوأ من ذلك هو ان علاقتي بمونيكا تدهورت أيضاً وصارت تظهر دائمة برفقة صديقتها النزقة المتقلبة. زادت اتهاماتها لي بالانهزامية والخذلان في ميادين الصراع حتى صرت أشك بعلاقة الثقة التى كانت تربطنا وأتساءل مع نفسى ما إذا كانت مونيكا هى ذات مونيكا الحالية التى صارت تتسرب باستمرار من بين أصابع يدي.

نحرص ايريش وأنا الآن على التنفس بانتظام. وتزداد ثقتانا على افعام تصرفنا بالمشاعر كلما زادت أنفاسنا انسجاماً. لاتظنوا ان كلمات الانجيل التي تستقبح إيذاء النفس هي التى تتحكم بنزوعنا للتمرد وإنما، وهذا أرجح، هي تلك الرغبة الجياشة أبداً لمعرفة الحقيقة واستجلائها حول مصيرنا، وما إذا كان هذا المصير محتوماً و قابلاً للانقياد بالاتجاه الطبيعى، وما إذا كنا نمسك زمامه بأدينا. لا محاذير صبيانية، لا التفاتات وما إلى ذلك من الأحابيل بعد الآن. ونريد الآن إعادة الحق إلى نصابه بارادتنا الحرة، ولن يحول أي شئ بعد الآن بيننا وبين أن نبنى حياة جديدة بسواعد سعيدة .

ها ان أنفاسنا قد انسجمت أخيراً. أطلقنا النار في وقت واحد دون أن نبدي أية

إشارة. أصابنى ايريش، وأنا بدوري لم أخذله، قطع كل منا، كما هو مقرر سلفا، أوتار

العضلات الهامة بشكل عجزت بعدها يدانا عن حمل المسدسين فسقطا إلى الأرض دونما

حاجة لاطلاق المزيد من الرصاصات. أخذنا نضحك، ونحن نبدأ تجربتنا الكبيرة، دون

مهارة، في أن نعالج اليسار باليمين فقط.

(1) يلعب جراس هنا بالكلمات فاستخدم كلمة Haltung ذات المعاني المتعددة، والتي استمدها من التعابير العسكرية أيضا.

(2)وردتEinseitigen وهي كلمة ملتبسة تتحمل العديد من المعاني بينها: أحاديو الجانب، الأحاديون، المنحازون، المحدودو التفكير، المثليون.

(3) " أخوة اليسار" اسم اتخذته منظمة للشاذين جنسياً في الخمسينيات والستينيات.

(4) في الحقيقة أن شعار" القلب يخفق يسارا" هو شعار الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، لكن غراس ألصقه مسبقا كما نرى على راية خضراء هي راية حزب الخضر الذي اصبح في نهاية التسعينات الحليف الأساسي للحزب الأول.*شاعر ومترجم عراقي .ألمانيا

الـعـــــودة للصفحــــة الرئيســـــة – العـــدد 14

العــــــودة للصفحـــة الام - تكست جريدة شهرية ثقافية مستقلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق